الاله الوحشي مسيحي أيضاً



لا يخفى على كل من تصفّح الكتاب المقدّس الكم الهائل من الجرائم و الموبقات و زنا المحارم و المذابح التي ترتكب تحت رعاية اله الكتاب المقدّس. و تتنوّع هذه بين سرد قصصي يؤمن المؤمنون بصحّته و بين أوامر مباشرة و صريحة من الاله الذي يعبدون. الكتاب يقدّسه اليهود و المسيحيون لكن التناقض يبرز في المسيحية التي تسوّق نفسها بصفة ديانة السلام و المحبّة في حين انها أبعد ما تكون عن هذا.



قد يرفض المسيحي واقع الهه الوحشي الذي يملأ صفحات الكتاب المقدّس بدماء الأخريين و بالطبع إن فعل هذا فله كل الحق.
لا أحد يريد أن يوصم بعار عبادة اله شيطاني يأمر بحصار المدن و قتل الاطفال و النساء و الشيوخ صراحة.



المعضلة أن الايمان بهذا الاله الوحش ركن من أركان المسيحية. فالمسيحي لا يملك الا أن يسجد لرب الجنود الذي أمر المؤمنين بحصار المدن و قتل البشر و البهائم بل و حرق الاشجار و هدم البيوت و المنازل في مشهد مروّع يجعل من اله المسلمين تلميذ صغير في مدرسة الاثم و الجريمة التي يترّبع عليها رب المسيحية الشيطاني.



قد يحاول المسيحي التملّص من المجازر التي أمر بها ربّه فتجده يحوّل انتباهنا الى الانجيل مدّعيـاً انه لا يضمّ بين دفتيه دعوة الى العنف و القتل و أن المسيح رسول سلام لا تشوبه شائبة و أن العهد القديم انتهى بمجيئه.. لكن لا مناص أمامه إلا الأعتراف بصحّة و قدسية التوراة لأن نقضها يجعل من الانجيل كتاب اساطير بدون أي قيمة عقائدية. فأنجيل متىّ مثلاً لا يدخر وسعاً في الاستشهاد بآيات التوراة لأثبات أن يسوع هو المسيح المنتظر.بل أن قصة "المسيح المنتظر" نفسها ليست سوى نبوءة توراتية تنهار ما أن يعلن المسيحي عدم اعترافه بالتوراة.



الايمان بالمسيح رباً و الهاً لا يعني نكران العهد القديم و أسفاره وتعاليمه و جرائم الهه.



المسألة بسيطة جداً و لا تحتاج الى "فذلكات" لغوية أو سفسطة لاهوتية. إما أن التوراة صحيحة أو لا تكون.. أما أن يكون اله التوراة الذي أمر بالقتل و الذبح هو نفسه اله الانجيل أو أن المسيحي يعبد إلها آخر... و لا أعتقد أن مسيحياً واحداً على الارض سيجيب بالنفي على كلا السؤالين. و بعبارة أخرى، المسيح الابن أقنوم في نفس الاله الواحد الذي أصدر أوامره بذبح أطفال المديانيين كما جاء في سفر العدد و غيره من سرد لمجازر اله السلام ؟ أي أن اله التوراه الذي يتغاضى المسيحي عن مجازره لئلا يشعر بالغثيان هو نفسه اله الانجيل الذي يصدح بتسبيحه في الكنائس ؟



أسأل المسيحي: " هل تجرؤ أن تقرأ لطفلك سفر التثنية و العدد و صمؤيل و هل تملك أجابة إن سألك طفلك عن سبب الوحشية الربّانية التي تملأ هذه الأسفار ؟" ...أسأل المسيحي: "ألست أتؤمن و تعبد و تسجد لأله العهد القديم الذي أمر المؤمنين بأرتكاب المجازر و المذابح التي تملأ كتابك المقدٍّس ؟"....لا أتوقع أن أسمع نفياً لأنه سيكون نفياً لأيمانه...أما من يقّر بأيمانه بهذا الاله الشيطاني فلا أعلم كيف لا يجد نفسه منافقاً في تهجمه على الاسلام معتبرّاً أياه ديانة همجية و دموية بينما لم يفعل الاسلام شيئاً سوى محاكاة العنف الالهي في كتاب المسيحي المقدس. و حتى هذه المحاكاة كانت أقل شرراً و بغياً من المجازر التي تملأ كتاب الجريمة الاول في التاريخ.



المسيحي يعيش فصاماً عقلياً يجعله يمعن في تفحص كتاب المسلمين و الاشارة الى ما يعتبره أدلّة على العنف و البطش في الديانة المحمدية بينما الاجدر به أن ينظر الى كتاب آباءه الملئ بسموم الجريمة و عفن الوحشية البشرية.



لن يرّد المسيحي لأنه لا يملك رداً....لن يرّد سوى بكيل الشتائم و التهديد و الوعيد رغم أنه بعمله هذا يستوجب نار جهنم تحقيقاً لما قاله المسيح في انجيل متى 5:22 (من قال لاخيه رقا يكون مستوجب المجمع و من قال يا احمق يكون مستوجب نار جهنم). لكن هذا ليس مستغرباً فهو و إن خالف وصية يسوع هذه إلا أنه ينفّذً أمر الهه الشيطاني في كتابه المقدّس الذي يدعوه الى بغض وقتل و سفك دماء من لا يؤمنون بالاله الواحد و أنا منهم. أما الحديث عن الخد الآخر و التسامح و المحبة فهو مجرّد "فنطازيات" يخدع بها المسيحيين أنفسهم ليستمدّوا شعوراً كاذباً بالأستعلاء على غيرهم. فقبل أن يأمر الله بقتل الكفرة في القرآن كان قد أمر بذبحهم و أطفالهم و هدم مدنهم و نحر بهائمهم في الكتاب المقدٍّس.

أبدأ بالرد على مداخلة على الموضوع السابق أشار كاتبها الى تجاوز المسيحية لمسألة جمود النص مقارنة بالأسلام و أن الاعتراف الكهنوتي بتاريخية النص يضع حداً لأستمرارية العنف الديني (المسيحي و اليهودي) في يومنا هذا


أولاً أشكر صاحب المداخلة على تعليقه و ثانياً أقول له أن حديثه عن تاريخية النص شيء و الايمان بالنص التاريخي شيء مختلف تماماً. أنا أعلم جيداً أن الكنيسة توصّلت الى تسوية مع نصوصها لتضمن توازناً بين هذه النصوص و بين القيم الأنسانية التي أرساها عصر النهضة (و هي قيم لم تكن الكنيسة تؤمن بها أساساً) لكن هذا لا يعني أنها أبطلت أو سحبت الأيمان المسيحي بالعهد القديم أو أن الله لم يأمر بأرتكاب المذابح التي تملأ صفحاته.


الأيمان برب الجنود في العهد القديم مسألة عقائدية في صميم المسيحية سواء سلّمت الكنيسة بتاريخية النص أو لم تسلّم.


عودة الى الكتاب المقدس و دين السلام و المحبة و الى آخر النغمة الرومانسية حيث لا يحتاج المرء أن يكون باحثاً تاريخياً أو لاهوتياً ليسبر أغوارالكتاب المقدّس بحثاً عن كلمات ذات معنى باطني تحضّ على العنف. فالرب أمر شعبه المختار بأرتكاب مجازر يندى لها جبين هولاكو و هاكم بضعة أمثلة:
سفر يشوع الاصحاح 6 الاية 21: (وحرّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف)


سفر حزقيال الإصحاح 9 – الاية 5 (وقال لاولئك في سمعي اعبروا في المدينة وراءه واضربوا.لا تشفق اعينكم ولا تعفوا. الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا للهلاك)


اله اليهود و المسيحيين تجاوز في فضاعته و وحشيته و ساديته اله المسلمين في الأيات السابقة إذ يطلب من المؤمنين أن لا يرحموا أحداً و يأمرهم صراحة بقتل الأطفال..جريمة لم نسمع يوماً أن القرآن او الحديث أو حتى أسامة بن لادن دعا اليها .


لنذهب الى سفر التثنية و تحديداً الاصحاح 20 الايات 10 الى 17 و نقرأ كيف يضع الله الخطة التي يجب على المؤمنين إتباعها عند المعركة في تكتيك مطابق للفتح الاسلامي..فلنقرأ معاً:


(حين تقرب من مدينة لكي تحاربها استدعها الى الصلح. فان اجابتك الى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك. وان لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها. واذا دفعها الرب الهك الى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف. واما النساء والاطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة اعدائك التي اعطاك الرب الهك.)


لنبتعد عن الحروب و قتل الأطفال و نتكلم عن حرية المعتقد. الانسان حر في أن يؤمن أو لا يؤمن. و هو حر في أن يؤمن بعقيدة أو بغيرها. المسيحي لا يعترض و يذكّرنا بأن الاسلام يشذّ عن هذه القاعدة و لا يعترف بحرية مثل هذه و يستغّل الفرصة ليحدثنا عن حد الردّة و وحشية هذه العقيدة البدوية و لكنه و لجهله بكتاب آباءه لا يعلم أن حد الردة موجود في العهد القديم الذي يقدّسه هو نفسه و بالتحديد في سفر التثنية الإصحاح 13 الأعداد 6 الى 10 حيث نقرأ:


(واذا اغواك سرا اخوك ابن امك او ابنك او ابنتك او امرأة حضنك او صاحبك الذي مثل نفسك قائلا نذهب ونعبد آلهة اخرى لم تعرفها انت ولا آباؤك من آلهة الشعوب الذين حولك القريبين منك او البعيدين عنك من اقصاء الارض الى اقصائها فلا ترض منه ولا تسمع له ولا تشفق عينك عليه ولا ترقّ له ولا تستره بل قتلا تقتله.يدك تكون عليه اولا لقتله ثم ايدي جميع الشعب اخيرا. ترجمه بالحجارة حتى يموت.لانه التمس ان يطوّحك عن الرب الهك الذي اخرجك من ارض مصر من بيت العبودية.)


و إن تابعنا القراءة فسنجد أن الله يأمر المؤمنين بحرق المدينة التي تخرج عن إيمانها و تعود الى الظلمات بعد أن كانت في النور و تدميرها حتى لا يبقى فيها حجراً على حجر:


(إن سمعت عن احدى مدنك التي يعطيك الرب الهك لتسكن فيها قولا قد خرج اناس بنو لئيم من وسطك وطوّحوا سكان مدينتهم قائلين نذهب ونعبد آلهة اخرى لم تعرفوها وفحصت وفتشت وسألت جيدا واذا الامر صحيح واكيد قد عمل ذلك الرجس في وسطك فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف وتحرّمها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف. تجمع كل امتعتها الى وسط ساحتها وتحرق بالنار المدينة وكل امتعتها كاملة للرب الهك فتكون تلا الى الابد لا تبنى بعد.)


و كعادة كل مسيحي عندما يواجه بهذه الحقائق، تجده يهزّ كتفيه قائلاً أن آيات العهد القديم ليست من المسيحية بشيء و المهم هو الانجيل. لكن إن كانت ليست من المسيحية بشيء فلماذا هي مقدسة عند المسيحيين أساساً ؟ و لماذا يتلوها في الكنائس ؟ هل يريد المسيحي أن يقنع العالم أن الرب الذي قاد بني اسرائيل في العهد القديم و أمرهم بقتل الأطفال لم يعد له وجود ؟ أتبلغ به السذاجة (أو لعلها الصفاقة) حداً يريد معه أن يقول للعالم أن قتل النساء و الشيوخ و الاطفال و حرق المدن هو أمر اله المحبة الذي يؤمن به و بأبنه ؟


ربما لا هذا و لاذاك، ربما يخرج علينا مسيحي ذكي ليعلن أن المسيح "نسخ" شريعة موسى تماماً مثلما يدّعي المسلمون أن الاسلام نسخ ما قبله من الديانات. لكن هيهات أيها المسيحي، فيسوع في موعظة الجبل أعلنها صراحة أنه لم و لن ينقض الناموس، أفليس هو القائل: (لا تظنوا اني جئت لانقض الناموس او الانبياء. ما جئت لانقض بل لاكمّل) فشريعة موسى تلزمك أنت و اليهود مثلما أعلنها المسيح صراحة و عدم التزام المسيحي بها ليس سوى تنفيذاً لما قاله بولس الذي خالف وصيّة يسوع جهاراً نهارا.


إن كان المسيحي ينبذ العنف فلينبذ من أمر بني اسرائيل بأرتكاب المجازر التي يقرأها في كتابه المقدس. و أن شاء الأيمان بهذا الاله المتعطش للدماء فعلى الاقل ليكفّ عن التعالي على المسلمين و وصم دينهم بالوحشي والدموي. فمن كان ربه اله الكتاب المقدّس لا يصحّ أن يعيّر الآخرين بالعنف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق