ورقة من مذكرات صمتي

عندما يغلف الصمت بدموع الالم , ويصبح الحلم هو ما تبقى في الحياة . حينها يكون الصبر هو قشة الامل .



لم تعرف يوما ان ما تحمله في قلبها سيفوق ما يتصوره عقلها الباطن , منذ نعومة اظفارها حلمت بالفارس النبيل الذي يمتطي صهوة حواده , يأخذها الى عالم الخيال , حيث تكون هي السندريلا الناعمة , او الجمال النائم , او بياض الثلج التي جارت عليها زوجة والدها , افكارها المراهقة كانت تصورلها انها بصبرها ستنال ما تحلم به , احبت ذاك الرائع وحلمت به مرارا , لكنه لم يستطع الا ان يعيش في جلباب امه .
قررت ان تحفظ قلبها وتصونه لمن يستحقه , ويكون لها درءا من غدر الزمن .
حتى وجدته , واصبحت له عقدا في جيده , سيفا في يده , انثى في حضوره , رجلا في غيابه , واخيرا اصبحت عمرا في ابنائه .
لم تحقق في تلك السنين القصيرة معه الا الجزء اليسير من حلمها , وما تبقى لها الا ان تعيش الباقي متوجسة , صابرة , راضية وقانعة , الى ان يحكم القدر بما حفره على جبينها .


تشبثت به واقعا جميلا , احبته درة ثمينة , وجودها امتدادا لوجوده , بقربه دفئا , وحنانه صدقا , ووداعه الما ً.

"ورقة ربيع خريفية "



كان قدومها كبكر في الاسرة دفئا دغدغ مشاعر الابوة في اعماقه , لم تكن كما اراد واشتهى ذكرا , ولكن كانت انثى تضج بالصخب والحياة , ولم تكن كباقي اناث اسرته , رقيقة ناعمة , هادئة حتى في جوعها , اجتمع فيها منهما ما بعث حبا عميقا في قلبه لتلك الصغيرة , التي بدأت سعادتها به وهي تتعلق به كيفما تحرك , بدأت تدرج في طفولتها وحبه في قلبها يتعمق , ويضرب جذوره في روحها , رأت نفسها امتداداً لذاك الجبار الذي عشقت .
وبتوالي قدوم الاشقاء والشقيقات , وجدت نفسها اختا كبرى , واما صغرى اخرى حانية ,احتضنتهم كما تحتضن الدجاجة فراخها , لم تتفق كثيرا مع شقيقها الاصغر منها بسنة واحدة , كانا دائمي العراك ولكنها كانت تحبه حبا طفوليا مشاكسا ً .
اتفق ان اجتمعا سويا في سنة دراسية واحدة , فلم تعد له اختا فقط , بل ومعلمة ايضا ً .
وسويا درجا في سنين المراهقة , هو بعبثه الطفولي الذي لم يكبر, وهي بهدوئها وعشقها للكتب . تتعلق بذراع والدها وهويتنقل بها بين المكتبات يشتري لها كتبا , او يبدل لها اخرى , وهي تزداد عشقا ً بالخيال , وبالفرسان , وبالامجاد الماضية , تعيش القصص مع ابطالها تفرح لفرحهم وتبكي حزنا لالمهم .
كانت تشعر انها تحلق بفضائها وحدها , لم يكن يشدها الى الواقع الا حبها لسبب وجودها .
وهو منذ نعومة اظفاره احب السفر والتعرف الى البلدان , كأنه رحالة , يغتنم الفرص للسفر والترحال , تعودت عائلته حبه ذاك .
في احدى سفراته المتكررة , اتتها قريبتها تهمس في اذنها " والدك في المشفى يجري جراحة " انتفض قلبها ورعا ً فهي في امتحانات مدرسية نهائية , وتلك المعلومة لم يعلم بها الا هي , فبدأت تذرف دموع الالم لغربته , ولالمه , ودعت مناجية ان يحفظه الله ويرده سالما ً.
وبعد ان قضى نقاهته , عاد , ومظاهر الالم يحاول عبثا اخفائها , لم تكن الا طفلة ابنة ثلاثة عشرة سنة , عرفت بقلبها ان خطبا الم به , لكنه كان يؤثر الانين الصامت .
وبالتدريج بدأت ملامح مرض تفضح معالمه , وبدأت رحلة علاج يتنقل فيها بالمشافي , والاطباء .
عرف مرضه وصمت , عرف المه واشتد اعتصامه بالصمت , فلجأ الى ربه اكثر , واراد ان يترك لهم ما يذكرونه به , كان يمتلك حنجرة ذهبية , وصوت جميل , اودعه الله جاذبية القة , سجل باحاسيسه ايات قرأنية , تداعب الوجدان , وبخط يده سجل احداث رحلته مع المرض .
لم يعرف ان هناك عينان صغيرتان تلمحان كل خطوة وكل كلمة , وترصدان كل حركة , باعماقه شعر بها تقترب من سره الذي حرص على اخفائه عن اسرته , فكان يتصنع الضحك في قمة بكائه , ويظهر الفرح في شدة المه .
بدأت صحته تتدهور , وقواه تذوي , الى ان حان وقت الفراق , فكانت اخر نظرة الى وجهه دمعة تلمع في عينيه .
فبكوه بحرقة والم .
لم تستطع تلك المرأة الطفلة ان تنهار , ابت الانهيار , وابت الا ان تظل شامخة كصخرة في وجه الانواء .
لكم تمنت ان اخذها معه , فهي بفقدانه فقدت دفئه وحنانه , لكم تألمت روحها , وكم تمزقت افكارها , وقلبها يصرخ بالحنين اليه .
وطوت صفحة طفولتها , وبدأت تخط صفحة اخرى في سطورها .
������..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق