إله الخير و إله الشر

من أغرب و أسوأ ما في التصور عن الإله الواحد في الأديان الإبراهيمية خصوصا و الوحدانية عموما, هو ان يكون هناك إلها واحدا خالق كل شيء .. و خلق الخير و الشر معا. يعني كيف يمكن لله ان يخلق الشيطان ؟ كيف يمكن للخير ان يخلق الشر ؟! و كيف يكون الله أقوى من الشيطان و اعظم منه, ثم يترك الشيطان حيا حتى هذة اللحظة لكي يوسوس للناس و يبث سمومه و إغراءاته ؟ إله قادر على كل شيء بكلمة كن فيكون, حين يريد فلا راد لقضاؤه, يعلم كل شيء قبل ان يحدث .. ثم يخلق الشيطان ؟! ثم يتركه يعصاه ؟!! ثم يسمح لهذا الشيطان بعداوته فلا يؤذيه ؟!!! ثم يتركه يوسوس لآدم لكي يعصاه و يقطف من الشجرة المحرمة ؟!!!! طيب لماذا ؟! يقول لك المؤمن : لحكمة لا يعلمها إلا الله طبعا !!

هل الله فعلا هو من خلق الشيطان ؟ هل هو فعلا أقوى من الشيطان ؟ أتصور لو ان الله كان أقوى من الشيطان بفارق 1% فقط لإستطاع ان يقضي على الشيطان و شره تماما بعد مئة عام مثلا. لكن صراع أبدي بين الخير و الشر, صراع لا يريد أن ينتهي .. ثم يقول لك إن إله الخير أقوى و أعظم ؟!!
يعني لو كان هناك إلهان لهذا العالم : إله للحق و الخير و الجمال و العدل و السلام, و إله للباطل و الشر و القبح و الظلم و العنف, إلهان متساويان تماما في القوة و العظمة .. ربما كان هذا الصراع مفهوم و له معنى. و ربما يكون بإمكان هذا الصراع أن يفسر التنوع الموجود في الطبيعة. ففي الأديان التعددية فسروا التعدد الموجود في الطبيعة بآلهة متعددة, إله للحكمة و إله للزراعة و إله للحرب و إله للبحر و إلهه للجمال .. الخ. و يمكن أيضا تصور ان الصراع بين إلهين فقط, واحد للخير و واحد للشر, أنه السبب في التنوع الموجود في العالم بشكل آخر.
فكل البرامج و الصور و الألعاب و البيانات التي تعمل على الحواسيب الإليكترونية, معتمدة أساسا على لغة الآلة التي تعتمد على نظام العد الثنائي Binary Numbers بواسطة رقمين فقط هما الـ 0 و الـ 1 . فكل هذة الألوان و الأنواع من البرامج و البيانات الكمبيوترية هي أساسا مكونة من رقمين فقط تمثل نبضات كهربية ! و بالتالي يمكن فهم ان كل شيء في العالم مكون من طوبة خير و طوبة شر, طوبة حق و طوبة باطل .. و بالتالي هذا يفسر أن هذا الصراع جزء من نسيج عالمنا و جزء من تكويننا أيضا : صراع أزلي أبدي بين الحق و الباطل, بين الخير و الشر, بين الجمال و القبح.
God VS Satan
لكن الإله الواحد لا يفسر شيئا. على العكس, تمثل فكرة الإله الواحد تناقضا واضحا لا معنى له .. فشخ للمنطق لو صح التعبير ! ثم إن المرء حين يتقبل هذا المفهوم و يتصالح معه .. هو يستوعب هذا التناقض في عقله و مفاهيمه و قيمه و سلوكه. حين يتقبل المرء ان الله هو خالق كل شيء : الخير و الشر, الجنة و النار, الملائكة و الشياطين .. إله هو الذي يحيي و يميت, يهدي و يضل, يعز و يذل, يجرح و يعصب .. النافع الضار, الطالع النازل, الرايح الجاي (إهمد يا عم إنت, خيلتني !). حين يتقبل المرء و يتعايش و يتصالح مع كل هذة التناقضات الإلهية, فهو يتصالح أيضا مع كل تناقض و تعارض في الاوامر الإلهية بمنتهى السهولة. فعادي جدا ان يقول الإله :
 - انه يهدي من يشاء و يضل من يشاء بغير حساب !!
 - يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر .. ثم يأمر المترفين في قرية ان يفسقوا كما في القرآن, أو يقسي قلب فرعون موسى كما في التوراة !!
 - أدع إلي سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي احسن.
إذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق !!
 - و لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا.
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة و يكون الدين كله لله !!
 - لا تقتل
بل قتلا تقتله يدك تكون عليه اولا لقتله ثم ايدي جميع الشعب اخيرا
شيء اغرب من الخيال, لكن المؤمن تجده مستغربا او مستفزا من هذا التناقض أبدا .. بل دائما لديه التبرير و المخرج من أي تناقض و أي مشكلة !! لهذا كان من السهل جدا ان نجد كل هذة التناقضات و الغرابة في سلوكيات المؤمنين بالإله الواحد عموما : فتجد المؤمن يتصدق على الفقراء و يقتل الكفرة في ذات الوقت, تجده يحتكم للعلم و الدين معا, يؤمن بالخير و الشر معا, بالسلام و العنف معا, بالحب و الكره معا !! فأنت حين تستوعب و تتصالح مع التناقضات في عقلك .. ستستوعب و تتصالح مع التناقضات في سلوكك أيضا !!
و الفكرة من إختراع إله يمثل الخير و الشر معا أصلا, أن يقوم بتخدير ضمير المؤمن و تبرير سلوكه و أفعاله المتناقضة بواسطة أفعال إلهية مقدسة .. يعني إذا كان الإله متناقض فلماذا لا أكون أنا أيضا !! فلأن كل إنسان منا يحتوي على الخير و الشر معا, و لان هذا الصراع الداخلي مرهق و مجهد لكثيرين .. تم إختراع الإله لكي يكون هذا الصراع بداخلنا أبديا و مقدسا, لكي نكون دائما مترددين و مهزوزين, نعرج بين الحق و الباطل .. بين الخير و الشر .. بين الجنة و النار. نعم, التناقض الإلهي يجبر الناس على العرج بين الجنة و النار .. هو يميع القضايا و يشوه المفاهيم مما يدفع الإنسان دفعا لكي يعرج بين الخير و الشر و بين الجنة و النار : تردد المؤمن و شعوره بالضعف و الذنب يرسخ لمنظومة التناقض الذاتي هذة و يؤبد الصراع الداخلي عند كل إنسان بين الخير و الشر.
 فلو كان الناس قادرين على تجاوز ضعفاتهم و عجزهم و الإنتصار على الشر و القبح بداخلهم .. و لو بعد خمسون عاما من الجهاد و الإجتهاد : لأغلق الإله النار و صفى أعماله الدينية و اخذ عصاه و رحل. لكن لا, يجب ان تظل مخطئا و آثما لكي تظل محتاجا لرحمة الله و عطفه عليك و شفقته نحوك .. يجب ان تكون منحط اخلاقيا لكي تظل محتاجا للدين إلي الأبد. يجب أن تفقد ثقتك في نفسك و إحترامك لنفسك, يجب ان تشعر دائما بالذنب و الضعف و العجز و الجهل و الفقر و الحاجة .. لكي تكون محتاجا لله و لدينه. لكن لو إستطعت لأي سبب من الأسباب تنفيذ كل الأوامر و الوصايا الإلهية, ان تضبط سلوكك و اخلاقك و تكون إنسانا محترما و خيرا, مجتازا كل التناقضات و الغرائب الإلهية .. حينها ستحتقر الله و ستحتقر دينه التافه السهل : الذي جعل الإله يبني جهنم بشعة لمن لا يقوم ببعض الحركات التي يسميها صلاة او الذي لا يمتنع عن الطعام حتى المغرب شهر واحد في السنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق